الخميس، مارس ٢٥، ٢٠١٠

دكّة في محطة

الحياة لما تقعد في أوضة، كل الأوض بحيطان، كل الحيطان بتخنق، بتعمي، بتخرس،
البيت رغم الشتا كله حبال مشانق متعلقة، بخار ميّة يطفي العيون ويعصر الرقاب،
سابت الكنب الحزين الناعم،
وخرجت بره بيتها طيف من نور، وتلاقي مسلكها لحد آخر الشارع.
..
هسْ هسْ .. اسمع
الجو هيرقص، ويطبّل، ويصفّر، شكشكة الخوف وعضة البرد في شارع وحلة، والليل كحلة، بتظن لأول وهلة إنه ده بيتها، كان حلمها الصغير إنها تنام على أرض الشارع رافعة راسها، وشها في وش الليل، ونجومه في عيونها بتبرّق، بتغمز، بتغمّض، واللُمض ألف نجمة منوّرين في الضباب الحيّ، تفتح إيديها في وشهم وتفقلها وكأنها بتملك كل شئ فيهم، وتشوط الحصى برجليها، فيجري بعيد، ويفضل يجري من غير نهاية.
عند آخر الشارع عدوا السهرانين متكلفتين في كوفياتهم وبلاطيهم، بيمدوا ويختفوا في الضلمة، إلا الكنّاسين بيتمرجوا بمقشاتهم خطوة قدام، وخطوة ورا في حركة رقص.
إسم محطة المترو بارز بحروف كبيرة، ومقلة نص الليل فاتحة أنوارها تكشف ساحة الشارع، والمحمصة تدور بنارها تسّوي السوداني والحمص، جت ريحة سخنة في خياشيمها فتحت نفسها، اشترت لروحها قرطاسين، مشيت بيهم ودخلت المحطة.
قعدت على الدكة الأخيرة وفضلت مستنيّة أول قطر.

ليست هناك تعليقات: