الاثنين، سبتمبر ٢٩، ٢٠٠٨

المول

على مقربة من المجمع التجارى المنير الهائل تقف سيدة عجوز ترتدى الأسود الرقيق بأكياس المناديل على الرصيف المظلم -رغم أعمدة الكهرباء المحنيّة ظهرها التى تلقى أضواءها الكابية فتضفى على المشهد حزناً إضافياً-، مررت بها، فدعت لى بالرزق والبركة فى إرهاق شديد كى أشترى منها، لكننى لم أتوقف، كان مظهرى لا يشى بأننى ممن يحتاجون إلى المناديل فلم تصّر علىّ، ثم توقفت أنا بعد عدة خطوات واستدرت أتحسس جيوبى الخلفية اطمئناناً على المناديل خاصتى، كانت توجهت هى الأخرى إلى زبون آخر، أسرة صغيرة تبدو عليها آثار النعمة تحمل أكياس عدة من محلات الملابس والألعاب والمأكولات المختلفة، ظلت تلهج فى سرعة بالدعاء للأب والأم ثم الصبية الصغيرة لعل يحن قلب أحداً منهم عليها فيكرمها بشراء كيس أو اثنين، لكنهم ما انفكوا على تجاهلها كليةً، حاولت أن تقرب يدها الممدودة بالأكياس إلى الصبية الصغيرة، فما كان من الأم إلا أن دفعت ذراعها بيدها بعنف متوتر وهى تطلق الشرر من عينيها، تراجعت خوفاً العجوز إلى الوراء، إلى أن أشار الأب إلى تاكسى، وفى لمح البصر كان الثلاثة قد قفزوا فيه حاملين أكياسهم الثقيلة وانطلق يجرى بهم، جلست فى صمت قاتل على طرف الرصيف مسقطة رأسها فى يأس تمد ذراعها القصير بالأكياس إلى المارة، لم أستطع احتمال المشهد، استطعمت المرارة فى حلقى، انتحيت جانباً وأفرغت كل ما فى جوفى..

الأربعاء، أغسطس ١٣، ٢٠٠٨

القانون مافيهش زينب

ومين زينب ؟.. واحدة حكم عليها الزمن.. وياما الزمن حكم على ناس كتير بالغلب.. تفضل تلف وتدور زى التور من مكتب لمكتب ومن مصلحة لهيئة.. وكل اللى بتاخده جلافة وقلة أدب.. "روحى إدارة المخازن"،"تعالى الأربع الجاى" وطبعاً الأمر مايسلمش من حق الشاى والذى منه... كان لازم زينب يكون عندها ولاد وكان لازم الولاد دول يكونوا أيتام عشان أركان المشهد المأساوى يبقى مكتمل وخالص مخلص.. بالك وأنا قاعد معاها بأشفط كوباية الشاى اللى بيطلع من بين إيديها آخر مزاج تقولى "يوم ما المحافظ كرمنى بجايزة "الأم المثالية" قلت للراجل أشكى له من حالى ، قوم الناقص يقولى "ما أنتِ يا زينب مش موجودة فى القانون، اضحكى اضحكى، خلى الصورة تطلع حلوة فى الجرانيل""... سكت وفكرت شوية.. غريب قوى القانون اللى مافيهش زينب ولا عيشة لكن يعرف باكينام ويفهم كويس قوى فى دولت... هزرت معاها شوية "ما الحق عليكى يا زينب.. بختك دايما مايل.. فيها إيه يعنى لو كان إسمك بدل من زينب يبقى زيزيت؟"... سألت إزاى نلاقى مكان فيه القوانين تعرف زينب زى ما تعرف غيرها، قانون مش فوق الجميع ولكن يبقى للجميع.. وبعدين قلت "ألا يا زينب لو جه يوم وطلعتى فى القانون ده حيبقى موقف ملهاوى أو حتى على الأقل كافكاوى" وباين عليها مافهمتش الكلمة الأخيرة فاكتفت بمصمصة شفايفها وسكتت.
تانى يوم راحت على حس السيد المحافظ عشان تخلص ورقها يقولوا لها بكل قلة ذوق "آسفين.. القانون مافيهش زينب !!!"

الجمعة، مايو ١٦، ٢٠٠٨

الدندنة من أول وجديد*

- سهرة مملة !
قالها لنفسه سريعاً كأنه سباب وهو يهبط السلم ، خرج من بوابة العمارة شاعراً بالنعاس، توقف على حافة الرصيف، ثم ملأ صدره بالهواء الليلى المنعش، احتار بين أن يعود إلى منزله راكباً تاكسى فى مثل هذه الساعة المتأخرة أو راجلاً، طوح قدميه قليلاً، ثم حسم أمره، وبدأ يمد فى خطواته، كاد نعاسه يغلبه ويبطئه، وقف معيداً تفكيره فى المسألة، بدأ يهمهم أثناء تفكيره بلحن أغنية غربية قديمة عن حيرة النفس، حرك قدميه ببطء على إيقاع الأغنية، زاده الغناء الخافت حماساً واستفاقة، فعاد لمد خطاه بطول الرصيف عائداً إلى منزله، رفع رأسه قليلا وهو يمشى ناظراً إلى الأمام محاولا تذكر باقى كلمات الأغنية، ولكن السيارة التى كادت أن تصتدم به فى منتصف الشارع قاطعته بزمجرتها العالية، نظر إلى السائق الغاضب بعينين مملؤتين بالدهشة، ثم تركه يسب ويلعن كما يشاء، عبر الشارع سريعاً، ثم على الرصيف الآخر غيّر الأغنية بأخرى، يتصاعد لحنها فى كل خطوة، ود بشدة أن يرقص مع الايقاع المتصاعد، لكنه اضطر إلى أن يخفت صوته إلى الهمس بسبب العابرين الصامتين المتعجبين بأعينهم من جنونه -رغم أن الرصيف الطويل شبه خالى من المارة فى مثل هذه الساعة-، وعندما يتجاوزونه يعود للغناء بانتشاء أكبر وأكبر، سحب نفسه وأتخذ طريقاً مختصراً بشارع مظلم خالى لا تستطيع أى عربة أو إنسان يزعج غناءه فيه، قطع الأغنية من منتصفها شادياً دون أن يخفت صوته هذه المرة لأى داعى:

وأنا والحبيب قاعدين سوا
قاعدين سوا...
قاعدين سوا على شط النيل
....
إمتى الزمان يسمح يا جميل
وأسهر معاك على شط النيل ؟
توقف لحظة فى منتصف الشارع الخالى إلا من جن الليل، أحس بأنه يريد شخصاً ما يشاركه بهجته، أخرج هاتفه من جيبه، وظل يبحث فى قائمته عن اسم ورقم معين، ضغط زر الاتصال بحماس، ورفع الهاتف إلى أذنه منتظر رنين الطرف الآخر، جاءه الرنين عالياً، تسارعت دقات قلبه، ثم خاب أمله إذ تحول الرنين بعد لحظات إلى صفير إنشغال الرقم المطلوب، تقدم ثلاث خطوات إلى الأمام، وقبل أن يضع هاتفه مرة أخرى فى جيبه، رفعه أمام عينيه وضغط زر اتصال مرة أخرى، فظهر أمامه الاسم الذى سبق وأن طلبه، تردد قليلاً قبل أن يضغط نفس الزر مرة أخرى، رفع إصبعه من فوقه، ثم أنهى الأمر بضغطه، وانتظر متوجساً، جاءه الرد على هيئة رسالة صوتية " الرقم الذى طلبته ربما يكون مغلقاً أو خارج..."، ضغط زر إنهاء الاتصال بعنف، ثم ألقى الهاتف بلا مبالاة فى جيبه، ثم همهم بلحن أغنية قديمة متجهاً نحو منزله وهو يحاول إيجاد عذر ولو صغير فى قلبه لكنه تذكر أن هذه ما بالمرة الأولى ولا الثانية وأن محاولاته تتكرر منذ أسابيع عدة ولا إجابة، توقف ثانية وأخرج هاتفه سريعاً وبحث عن الاسم ثم قرر مسحه بضغطة من الذاكرة – الهاتف والقلب معا-، جاءه السؤال " مسح الاسم والرقم ؟"، رفع رأسه للسماء الصافية متأملاً إياها للحظة، ودون تردد هذه المرة ضغط مؤكداً الأمر الصادر، أغلق لوحة أزرار هاتفه، ثم وضعه بهدوء فى جيبه، ومشى متهادياً مفكراً أو متذكراً شئٍ ما، تذكر إنه كان يغنى، عاد ليغنى موالاً لشكوكو مبتسماً ماسحاً تحت أجفانه دمعه الجاف وصدى غناءه يرعش أوراق الشجر النائم:
ياللى كويت الفؤاد عند مكوجى الطرابيش
ثم صدح بغناءه أعلى:
ياللى كويت الفؤاد عند مكوجى الطرابيش
وزر عينى اتقلع وأنت ما بتجيش !!

*اسم قصيدة لفؤاد قاعود

الأحد، مايو ٠٤، ٢٠٠٨

طَــٰـــه

حس الشيخ طه الفشنى بيجيبنى باكى ويردنى مغسول، حس الفشنى بيبعتنى مساجد مجهولة فى مناطق بعيدة، حس الفشنى يقومنى بإمامة المغرب فى الناس على أذانه وإقامته، حس الفشنى يوقفنى وسط جوقة المنشدين أردد وراه مدائحه فى حب ابن بنت النبى، ويقعدنى بين الناس نقول "الله.. الله.. الله" ونهز راسنا متمايلين منه فى سهرة انتظار صلاة الفجر فى جامع السلطان أبو العلا والإذاعة تاخد من صوته وتسجل وريحة نيل الفجرية وصلت لنا من ريح الجنة الدايمة، حس الفشنى يخلى الدنيا عندى زواية ومصلى، حس الفشنى يدوبنى فى ضى المأذن الأخضر، حس الفشنى يطلق حمام الغفران والمسامحة والرضا، على حسه يدوروا الموالدية واصلين السما بأرضها ويعدى أتوبيس حامل ناس رايحين الأراضى الحجازية يأدوا عمرة ويزوروا بيت النبى ويملسوا على شباكه وأدخل أنا فى النوم براحة مسنودة راسى على حديد مقام الحسين، حتى الأرض إذا ما سمعته فى الفجر صدرها يتنهد رحمة بالناس كلها والليل ينزاح من على قلوب الناس سايب شمس اليوم الجديد تشرق علينا.

الثلاثاء، أبريل ٠١، ٢٠٠٨

وشوشة نص الليل

"يتصاعد الهمس الجماعى"
بيشوش الأسلفت فى عز عز الليل
بيشوش الأسلفت فى عز عز الليل
بيشوش الأسلفت فى عز عز الليل
......................
هو الأديب الأدباتى.. صدى خطوه فى الحى المقطوع زى الجرس.. بيشد خيط الدم الممدود من وراه.. وكوفية سودة دافن فيها دقنه.. عمود النور راصده زى البومة ومبانى المدينة مياّلة من كل جانب صدره.. طابقة على قلبه... والعالم من حواليه ساكن لكنه مش ميت.. لا ليله زى نهاره ولا إمبارحه زى بكراه.. ولا حتى بين الساعة والساعة ولا اللحظة والتانية... فى برك المجارى الطافحة بيشوف صورة تانية.. بدره فيها أوضح وأجمل ومدينته أبهى من العروسة فى ليلة الحنة وقامته وراسه مستقيمة فى العالى.. ومش بيجرجر خيوط دمه على الأسلفت وراه !!
......................
"ينخفض الهمس الجماعى"
بيشوش الأسلفت فى عز عز الليل
بيشوش الأسلفت فى عز عز الليل
بيشوش الأسلفت فى عز عز الليل