الأربعاء، مايو ٠٩، ٢٠٠٧

وصبح يوم تالت وعيار البكا فالت

إلى عمى (أبو الليل).. أقبّل جبينك محبةً
*
حتى لو كان الأمل بخيل"
"اليأس أبخل
فؤاد حداد - العيار الفالت - الصفحة التانية
*
توقف عن الأنين ما من شئ أكثر إثارة للسخرية"
من الرجل الذى يئن
"اللهم إلا الرجل الذى يبكى
الشاعر الفرنسى أراجون - قصيدة الشوك
*
صباحٌ يغلفه ضباب رقيق، لم نتجاوز السادسة صباحاً بعد، وأنا على رصيف محطة الزهراء أنتظر القطار القادم جالساً متململاً واجماً، على بعد عدة خطوات من قدمى توجد بوابة مفتوحة على منظر من أجمل مناظر مدينة القاهرة صباحاً ومساءاً، حيث الشارع الفرعى يبدو كميدان صاخب الحركة لايهدأ أبداً من سائقى الميكروباص ولا ضجة الكوبرى العلوى، أما هنا.. لا شئ من هذا هنا
تجلس بجانبى إمراة فى الخمسين من عمرها ترتدى جلباب أسود وعباءة سوداء، معها طفلتان صغيرتان يحملان حقائب المدرسة، كانت ملامح السيدة فيها شبة عظيم من جدتى من أمى، أما الطفلتين فلم أستطع تحديد لمن يشبهن، لكنى شغلت عن ذلك بتأمل شريط القطار إنتظاراً محاولاً أن أضيع الوقت فى عد حجارته
أزداد عقلى ووجهى وجوم حتى كادت عيناي تدمع أكثر من مرة، والوقت يمر بطيئاً على قلبى بسكينٍ حادٍ يمزق نياطه، لكننى أحاول التماسك خوفاً من الإنهيار فى أى لحظة
كانت الطفلتان تلعبان على أرضية الرصيف متخيلين أى شئ يمكن اللعب عليه، ثم جاءت إحدهما نحو السيدة لتنزع عن ظهرها حقيبة المدرسة لتكمل لعبها، تسترسل السيدة وهى تنظر أمامها وتعبث بأناملها فى شعر الطفلة "البت أم فاطمة بنتها عايزة وعايزة وعايزة، البت مش مقدرة حالة أمها خالص، لكن نعمل إيه بقى؟ العوزة وحشة برضه"، كنت أعلم إنها تحاول التخفيف عنى كأنها تقول لى "اللى يشوف بلاوى الناس، تهون عليه بلوته"، لكن ما شأنى أنا وشأن أم فاطمة، وأنا لا أعرف من هى أم فاطمة ولا أىِ من بناتها تقصد، صمت ولا لم أستطع الرد على أية حال وكأنها تحدثت إلى نفسها بصوتٍ عالٍ كعادة المصريات
تأخر القطار، لكن رصيف المحطة لازال خالى من البشر تقريباً
ولا أعلم ماذا حدث بالضبط، كل ما أعلمه إن لى رغبة شديدة فى البكاء منذ بداية اليوم، بدأت فى النهنهة بصوت مكتوم محاولاً ألا أزعج السيدة العجوز ببكائى الصامت، وكلما حاولت أن أكبت بكائى من الداخل علا صوت نهنهتى، أتذكر إننى كل مرة بكيت فيها فى دورة مياه بيتنا كنت أستطيع كتمها، لكن الحمل فاق التحمل هذة المرة؛ والسيدة أحست بشئ ما يجرى بجانبها، فما أن لمست كتفى، حتى انفجرت باكياً وأنا أصرخ من شدة الألم والكبت، لم أهتم بكونى أبكى بحرقة فى المحطة وظل صوت بكائى يرتفع أكثر وأكثر، هذا القلب المذبوح فقد القدرة على التماسك، والسيدة لازالت تربت وتمسح على ظهرى برفق كأنها أمى وهى تبسمل وتحوقل وتقرأ قصار سور القرآن لتهدئتى، حتى الطفلتين كانتا تنظران إلىّ فى ذهول وعدم فهم ورغم ذلك أقتربتا ومسحا على ظهرى، لم أدر إنى قد أرتميت فى صدرها، فالتعب و(السخونة) حلوا بعينى وعقلى، لكن البكاء والنهنهة أخذت حدتهما تنخفض قليلاً قليلاً، حتى صرت نائما فى حضن السيدة العجوز وهى تهمس بصوت هادئ مطمئن لقلبى
"ربك يعدلها، ربك يعدلها"
ومُر القطار دون أن نركبه
*
لابد لنا من أيام، نضحك فيها من مرارة هذة الأيام"
لابد لنا من أيام نضحك فيها من مرارة هذة الأيام
"لابد لنا من أيام، ......إلخ
الشاعر الرومانى أوفيد

الجمعة، مايو ٠٤، ٢٠٠٧

عن الرضا

على باب المسجد ترددت كثيراً قبل الدخول، فأنا شديد الإنهاك والتعب وكل قطعة فى بدنى تؤلمنى، ولن أستطيع الصلاة يقظاً وأخشى أن أغفو على سجادة الصلاة، جلست قليلاً بجانب الباب حتى أقرر ماذا سأفعل، ثم بدأت فى خلع الحذاء دون وعى فأدركت أن الأمر ليس بيدى
أتخذت لى ركناً فى المسجد الواسع وجلست وأرحت رأسى مائلاً على الحائط وأخدت أنظر إلى سقفه العالى المزين بالنقوش والآيات القرآنية، وقد كان فوق المحراب نقش آية "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَّنَكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ"، أغمضت عينى على هذة الآية ثم بدأت أغيب تدريجياً فى النوم، وقليلاً قليلاً مال جسدى حتى سقطت على ظهرى شبه نائم حيث تراءت لى أطياف بيضاء تتحرك بخفة خلف أجفانى المغلقة
أستفقت حينما أذن مؤذن المسجد، فقمت توضئت وعدت مرة ثانية أنتظر إقامة الصلاة، صليت السنة محاولاً إيقاظ عقلى النائم حتى أقيمت الصلاة
الكل أمام الله صفاً واحداً لا يدرى أحدنا من النائم ومن المستيقظ، من المستهتر ومن الخاشع؟. كبرت وقرأت الفاتحة ثم شرعت فى قراءة سورة الضحى {وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى* وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى*وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى
حاولت إكمال السورة حتى آخرها لكننى لا أنفك أعيد قراءة هذة الآيه المرة تلو المرة، حتى أذن الإمام بالركوع، فركعت وأنا أحاول معرفة إذا كنت فقدت تركيزى أثناء الصلاة أم ماذا
"سمع الله لمن حمده"
"ربنا ولك الحمد والشكر"
أنتبه مرة أخرى أن الكل قد أستقام ولازلت متأخراً عنهم، حتى سجدنا فأطال الإمام السجود قليلاً، وجدتها فرصه كى أدعو الله وهو قريب منى فى لحظة كهذة بما أريد وأخذت أبحث فى عقلى عن أى شئ أريده أدعو به فلم أجد، فابتسمت قليلاً وقرأت فى سرى
"وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى"
"وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى"
"وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى"