الاثنين، مايو ٣١، ٢٠١٠

2

دعوتني إلى التجول معكِ.

كانت سحب الليلة كثيفة، تحتشد كأنها موشكة على الإنفجار والتناثر إلى قطعٍ صغيرة تتساقط في الشريط الضيق من السماء الداكنة فوق قمم الأشجار الممتدة، والأعمدة البرتقالية تبدو لانهائية في تتابعها على جانبي الطريق المفتوح أمامنا.

هل سمعتني وأنا أدندن مترنماً دور "الله يصون دولة حسنك"؟، وهل رأكِ أحد وأنتِ تتقافزين مرحاً أثناء سيرنا بين الفينة والأخرى؟

.. ربما لن أتذكر عن تلك الليلة إلا الهدوء الذي دثّرها.

السبت، مايو ٢٢، ٢٠١٠

1

كنت جالساً على المقهى عندما سمعت نداءك الليلي، لم يكن صوتاً حقيقياً، بل كان أقرب إلى خاطر مرّ في ذهني، كان نداءً صغيراً هامساً. أدرت رأسي يمنةً ويساراً باحثاً عنكِ، فلم أجدك إلى جانبي، نهضت مترنحاً من مقعدي، وهبطت حائراً عن الرصيف إلى نهر الشارع الساكن، سمعت همستك تناديني في عقلي مرة أخرى، تطلعت في الجهات الأربع النائمة حتى تبينتك، كنتِ واقفة في قلب ميدان عند شجرة الصفصاف، جاءني نداءك الثالث أصداءً وكأنما كل الأشياء صارت تردده، شعرت بفمك الصغير وهو يفتر بالنداء الهامس، ابتسمت لكِ وأحسست أنكِ تردين عليها بأخرى مثلها أو أكثر اتساعاً.

الخميس، مايو ٢٠، ٢٠١٠

مُكرر: البشارة

.. وسيأتى من صلبك طفلاً جميلاً يحيلُ ببراءتهُ الكونَ إلى حدائقٍ وجنان ونهر من العسلٍ الذائبِ فى الحليبِ... بين النجباء هو الأطهر.. بين الطاهرين هو الأنجب.. ولذلك هو الأبقى.. منا ومن دهاةِ العالمِ وخبثاءهِ... كلنا زائل –ولو بعد حين-.. ويبقى فى الأرضِ نفسٌ طيبٌ يشهدُ له ولنا من بعدهِ يوم الشهادةِ.. لذا من دونهِ يصبحُ الكل قبض الريحِ.. يعرف من الألوانِ: الأخضر الذى ينيرُ الحكمة فى قرارة عقله.. والأبيض الذى يزينُ بهاء قلبه.. والأزرق الذى يضفىُ على روحه صفاءها.. والأسود الذى يحيده عن طرق الرحمن الرحيم.. تعرفه إذا ما فحصت صدره فوجدت زهرة العشاقِ، وثمرة الجائعين، وأغنية المنشدين، وتكبيرة للهِ همست فى أذنهِ يوم مولده.

الجمعة، مايو ١٤، ٢٠١٠

الإنسان

-إهداء إلى الغائب-

بعد انتهاء المحادثة، أغلق كل شئ ثم أطفئ جهازه ونهض عن مقعده شارداً، متجولاً داخل الشقة المظلمة، بعيداً عن الشاشة التي ظل جالساً أمامها ساعاتٍ طويلة لا يدري كم عددها، وأبطأ في خطوه كي لا يتعثر في أثاث المنزل. وعندما اعترضته مرآة مدخل المنزل، فزع وشك الذعر أوصاله لأنه لم يتبين صورته جيداً، فظن أن ذلك الشخص الذي يتجول ليس هو عينه حقاً.

الثلاثاء، مايو ١١، ٢٠١٠

مُكرر: وهم المرايات : "مدينة الجناين" نايمة !

أمشى معايا شوية لحد آخر الشارع، مانتاش خسران حاجة، يرضيك برضه تسيبنى أمشى وحدى فى الساعة دى؟..
...
من يومين كنت معدى قرب نفس المكان، على الرصيف التانى، فى شارع القصر العينى، على الساعة اتناشر ونصف وخمسة، قول واحدة، كان الشارع سمع هس، وميدان التحرير ما فيهوش صريخ ابن يومين، والريح بتعدى فيه وتصفر صفير ما بيخوفش، وكانت حيطة البنك اللى معدى من جنبه من الرخام، رخام أسمر اللون، فى انكسارات صورة الشارع الفاضى، شفت على الرصيف التانى بنت ماعداش سنها حداشر سنة واقفة كاشفة صدرها وبترضع الماضى، الماضى المجروح بيرضع، يرضع نايم، وجروحه بتتلم وكأنها ما كانتش من الأصل، وفجأة من كل الشوارع خرجت ناس كتيرة، من "المبتديان" خرجوا، ومن "الشيخ ريحان"، من "المواردى"، من "أفراح الأنجال"، من "مجلس الأمة"، خرجوا لابسين بيجامات كستور ومنامات حرير، وكل واحد فيهم شايل ألواح خشب وشنط كبيرة مليانة، فى الشارع الفاضى كل واحد طلع مسامير وشاكوش، وبدأوا ينجروا الخشب فى هيئة سراير، ومصاطب، فتحوا الشنط وطلعوا منها ملايات ومخدات كبيرة وصغيرة بأكياسها، فرشوها ولما خلصوا، اللى ينام على ضهره، واللى يتمدد على بطنه، واللى يتقلب يمين وشمال، واللى يحط راسه تحت المخدة، واللى يحضنها، واللى يحضن مراته، فى النهاية، الكل نام -حتى عسكرى الحراسة جوه كشكه- بانتظام الأنفاس والشخير فى شارع القصر العينى تحت دش النور البرتقانى اللى نازل من العواميد.

الأحد، مايو ٠٩، ٢٠١٠

من الموت

كنت بأتمشى على كورنيش الشاطبي ولاقيته. مكان قديم من قزاز. قايم على البحر. كإنه كان كازينو قديم واتقفل، حديده مصدي، خشبه مسوس، وحروفه إسمه متاكلة. فضلت واقف كتير قدامه من غير معنى بأبص له ويبص لي..
دفعت للحارس النايم على الباب ودخلت، ما كانش فيه حسّ إلا صوت البحر المكتوم، وريحة التراب
والطحلب الأخضر اللي مالية المكان، لفيت بالراحة ومسحت بإيدي على كل عواميده وقزازه، صوابعي حست كل شئ من عجزه بيئن. قدام البحر، ساكت سرحان وبأفكر..
الشمس طلعت شاحبة وبطيئة،
بتتسحب ورا السحاب الماشي، بدأت بخيط أبيض متكسر، الأزرق الممدود قدامي اتفرد سلاسل دهب، عيني تاهت زي مركب تاهية، وحسيت في اللي بأشوفه بزغلله. دوّرت نفسي حواليَّ، الأرض مفروشة نور، وأصوات المصّيفين على الشطوط جاية لي رايقة، كل شئ في هدوءه انسيابي وبسيط.. حتى الموت، هيكون مريح ولو بان لك لحظتها عنيف.
حسيت بجمال الجملة في بالي وحبيت أقولها بطريقة تانية بصوت عالي، ابتسمت ابتسامة خفيفة وقلت "أنا عارف إني لو..."

كانت هناك إيد ممدودة في ضهري بمسدس. بتكة طلقة رصاص. طاخ.

ساعتها أدان الضهر ادن والناس كانت بتتمشى على الشط زي عادتها.