السبت، سبتمبر ٢٦، ٢٠٠٩

Yellow Brick Road

تحت تحت، الرقص في الدور التاني، دُمْ دُمْ تَكْ تَكْ دُمْ دُمْ تَكْ، المدن كلها بتتطربق، صالة بلياردو وبلّي وبولنيج في الدور التالت، كله نازل فوق بعضه بنفس ترتيبه، تَكْ تَكْ دُمْ دُمْ تَكْ تَكْ دُمْ، الأشكال قدام عينيّ بتتطوح مخمورة، هفف هفف، أنت مالك بتنهج فى الـ*يك زي اللى بيجري ؟، هفف هفف، البنت اللى رقصت معايا قالت لي واختفت، الحبّ معايا ..سكتة.. زي المشي على الصراط المستقيم، دُمْ ..سكتة.. تَكْ، منسق الأسطوانات هيسمعنا أغنية أخيرة يتبعها السلام الوطني، شششششششش، نداء، نداء، صوت معدني بارد، نحنُ على بعد 25 ألف فرسخ تحت مستوى البحر..
سامع حاجة ؟
شايف حاجة ؟

Down
Down
Down
Fades Out

الثلاثاء، سبتمبر ٢٢، ٢٠٠٩

اليوم النشيد

هيصحى الصبح وهيبقى مضطر -يا حبة عينه- غضباً عنه يغنى "بلادى بلادى لكِ حبى وفؤادى"و"صوت الجماهير هو انتفاض عزم الأبطال" و"وطني حبيبي الوطن الأكبر" فى الحمام والشغل والأتوبيس وفى ودن اللى جنبه طول اليوم، لأن دماغه بتنقح عليه بيهم، وكل ما يقول لنفسه كفاية يعلّي بالصوت أكتر وأكتر، ويعلق الصور على الحيطان، وينشر الأعلام على المنشر، ويمشي بالخطوة العسكرية، ويحيي العلم، ويقوم يصقف بصدره في آخر الأغنية والخطبة اللى فكت حبس دموعه، ويلاقي كراريس الواجبات ومجلات سمير وشرايط الأغاني تحت السرير، ويرمي الأدوية من الشباك، عشان يبص في المراية ويفتكر شكله، ويبص فيها تاني ويعرف روحه، ويبص فيها تالت ويعيط من بزّه اليمين، ويبص فيها رابع ويضحك من قلبه الشمال، ويبص فيها خامس وكأنه ما بيشوفشي إلا نفسه صغيّر، وينسى إزاي صحي إمبارح وأول إمبارح وأول أول وإزاي صحي من سنين طويلة وفضل فايق ما بينامشي طول العمر ده ... إزاي ؟، وقبل ما يغطس فى النوم يرجع تانى يقول
"وإحنا مش عاوزين نشيد"*

* بيت من ديوان ميت بوتيك لفؤاد حداد

السبت، سبتمبر ١٩، ٢٠٠٩

محاولة انتحار

وقفت طيلة نصف ساعة أمام مرآة الحمام، أتأمل وجهي بعد الحلاقة، في كل مرة أحلق ذقني يبدو وجهي على حقيقته، صغيراً ومستديراً. طيلة النصف ساعة كنت أفكر وأحلم بأشياء عدة وأنا أجذب ذقني القوقازية وأعض على شفتي العليا متأملاً موضع شاربي المحلوق، رفعت وجهي وأخذت أتأمل عنقي الأسمر النظيف من الشعر وأضغط بأصابعي فوقه، وعندما خطر لي فجأة خاطر الموت، أحسست بالدم يجري في شراييني نافراً، كأنني مشرف على موتي فعلاً، أمسكت مكينة الحلاقة وأثنيت رأسها عدة مرات، لمعان شفراتها في الضوء وخز قلبي بالخوف، ضغطت رأس الميكنة فوق رقبتي، فكرت فيما يفترض فعله، ثم جذبتها سريعاً ناحية اليسار فيما أدرت رأسي في الإتجاه الآخر، وعندما رفعت رأسي مرة أخرى أمام المرآة لم يبد أن هناك شيئاً قد جرح، ثم ظهر خيطين عرضيين من الدم تدريجياً، سال منهما خيطين رفيعين من الدماء فوق رقبتي ونحري، كانت الدماء تلمع في المرآة مثل شفرات المكينة التي تسببت فيها، أحسست بالألم لكنني لم أرفع يداً لأمسح الدم النازف، وصرت أتأمل بدقة خيوط الدماء المتشققة وهي تشق طريقها وتجري هابطة نحو صدري المرتجف خوفاً، استفقت على صوت أمي يناديني من خارج الحمام وبطرقات يدها على بابه، انقطع حبل أفكاري وخيط الدم السائل، وارتد وعيي إلى العالم حولي وارتدت الدماء إلى داخل الجرحين الرفيعين، جففت وجهي من بقايا الشعر، وعنقي من قطرات الدم، ثم خرجت ملبياً إياها..

انتظار

كنت أقف في الهجير منتظراً من لا أعرفه، فوقي شموس عديدة، كلها تقدح الشرر بلا رحمة، أرى حقلين بعيدين من أشجار الزيتون وبينهما طريقاً أسفلتياً لونه أحمر، مرتفعاً يحجب إمتداداً من الصحراء وراءه، خرج من بين أشجار الحقل الأول كياناً متحركاً بخطوات قوية منتظمة كمشيّة الجند يسير في إتجاه الحقل الثاني، أحطت عينيَّ بكلتا يديَّ وحاولت تبين ما أراه، فبدا الكيان كأنه لإمرأة ترتدي جلباب أسود وتضع حجاباً طويلاً غير معقود حول رقبتها، كانت قد وصلت إلى منتصف الطريق عندما ناديت "يامّا"، لكنها لم تتوقف ولم تبطء سيرها، رغم أن المسافة بيني وبين الطريق لم تكن بعيدة، ناديت مرة أخرى بعزم ما في من قوة "يامّاااااااااااااه"، أحسست لثانية أنها قد توقفت وبحثت بعينيها عن المنادي، لكنها استمّرت في سيرها المنتظم ذي الخطوات العسكريّة الواسعة، انطلقت أجري نحو الطريق وأنا أناديها مقطوع النفس، لكنها كانت انتهت من الطريق الأسفلتي وانحدرت داخل حقل الزيتون الثاني، وقفت أتأمل غيابها وراء أشجار الزيتون، وقلت في نفسي "لعلها لم تسمعني، أو سمعتني ولم تكن تريد إنتظاري"، عاد المكان إلى سكونه المعتاد في لحظات قصار، أحسست أن هذا السكون هو حقيقة لا تقهر، قلت في نفسي "أو لعلها كانت سراباً"، وظللت واقفاً في الهجير منتظراً من لا أعرفه..

الأحد، سبتمبر ٠٦، ٢٠٠٩

ضلمة إمبارح

الأتوبيس الأخير اللى كنت مروّح به بولاق نزلني محطة أرض اللواء، كان الليل ممدود فوقي على آخر السما، قلت معلشي، نتمشاها لحد البيت والسلام، ركبت رجلي وعديت السكة الحديد والميدان، دورت في عقل بالي من أي زواية أكسرها ألاقي نفسي في شارعنا، المهم تنكسر منين ؟، مشيت ورا الناس اللي ماشية، والتكاتك اللي رايحة وجاية، واهتديت بأنوار المحلات اللي سهرانة، الدنيا صيف وسحور، والناس ونس لما بيتهادوا على الخطوة، عديتهم، خلصوا كلهم وخلص الشارع، شفت من بعيد آخري مسدود في الكوبري الدائري من عواميد النور اللي بتحاوطه من كل جهة، وقدام عينيَّ عمارات زي العلب قايمة متنتورة في قلب غيطان مفروشة بالفضا، دُرِت حَوَاليّن رُوحي مَرّات، فكرت لو إني تُهت، حسيت زي ما يكون رجلي اتكسرت عليها ألف عصاية، عقلي شاور، اِرجَع من نفس السكة، رجلي قالت، ما أقدرش أرجع كل ده تاني !
جت نجدتي من حيرتي على يميني، لما شفت ناس كتيرة بتكسر في ضهري في شارع ضيق جانبي، ما صدقت مشيت وراهم ودخلت في شارعهم، الناس بتطمّني، مطرح ما رجلي خدتني معاهم مشيت، قبل ما أحس بالأمان أو أفكر، دابوا مني واختفوا، كأن أحواش البيوت المنوّرة بلعتهم واحد ورا التاني.
خفيت رجلي بس قلت مش راجع، وكملت المشي وحدي في الشارع، والهوا اللي بيرفّ زينة الشبابيك، رَفّ قلبي معاه من الخوف والرهبة، حتى المحلات والورش المفتوحة زي العيون المبرّقة ما بانش لها أصحاب واقفين، الخلا غيّم قلبي سواد، صدري انقبض من جواه لبراه، نبحت علىّ من خرابة كلاب ما بانتش لهم بين الأكوام هيئة في ضلمتهم، جزيت على سناني ولساني، مديّت خطاويَّ، ولما بعّدت وانتهيت منهم، كان الشارع مفيش له أول من آخر، عماراته بتعلى وتعلى، تعلى، والشارع بيوطى ويوطى، يوطى، ورايا وقدامي العمى وحده، لمبات النور تزيدها ضلام، جاتني رعشة من ضلّي، جريت على قدام زي اللي بأدحرج، بان لي مفترق طرق على البعيد، جسيت في صدري النهجان، ما شفتش نور، شفت عمارة خراسانة مهجورة مالهاش نهاية في وشي، كل السكك اللى بانت مفتّحة طلعت مسدودة، التعب والتوهة لفّوا دماغي بالدوخة، مفاصلي سابت، ما كانش فاضل حتة سما أبص لها من طول العمارة اللى سدت عرضها..
...
فضلت واقف وما دريتش إلا بدموعي كلها بتسح على وشي.