الأحد، سبتمبر ٠٦، ٢٠٠٩

ضلمة إمبارح

الأتوبيس الأخير اللى كنت مروّح به بولاق نزلني محطة أرض اللواء، كان الليل ممدود فوقي على آخر السما، قلت معلشي، نتمشاها لحد البيت والسلام، ركبت رجلي وعديت السكة الحديد والميدان، دورت في عقل بالي من أي زواية أكسرها ألاقي نفسي في شارعنا، المهم تنكسر منين ؟، مشيت ورا الناس اللي ماشية، والتكاتك اللي رايحة وجاية، واهتديت بأنوار المحلات اللي سهرانة، الدنيا صيف وسحور، والناس ونس لما بيتهادوا على الخطوة، عديتهم، خلصوا كلهم وخلص الشارع، شفت من بعيد آخري مسدود في الكوبري الدائري من عواميد النور اللي بتحاوطه من كل جهة، وقدام عينيَّ عمارات زي العلب قايمة متنتورة في قلب غيطان مفروشة بالفضا، دُرِت حَوَاليّن رُوحي مَرّات، فكرت لو إني تُهت، حسيت زي ما يكون رجلي اتكسرت عليها ألف عصاية، عقلي شاور، اِرجَع من نفس السكة، رجلي قالت، ما أقدرش أرجع كل ده تاني !
جت نجدتي من حيرتي على يميني، لما شفت ناس كتيرة بتكسر في ضهري في شارع ضيق جانبي، ما صدقت مشيت وراهم ودخلت في شارعهم، الناس بتطمّني، مطرح ما رجلي خدتني معاهم مشيت، قبل ما أحس بالأمان أو أفكر، دابوا مني واختفوا، كأن أحواش البيوت المنوّرة بلعتهم واحد ورا التاني.
خفيت رجلي بس قلت مش راجع، وكملت المشي وحدي في الشارع، والهوا اللي بيرفّ زينة الشبابيك، رَفّ قلبي معاه من الخوف والرهبة، حتى المحلات والورش المفتوحة زي العيون المبرّقة ما بانش لها أصحاب واقفين، الخلا غيّم قلبي سواد، صدري انقبض من جواه لبراه، نبحت علىّ من خرابة كلاب ما بانتش لهم بين الأكوام هيئة في ضلمتهم، جزيت على سناني ولساني، مديّت خطاويَّ، ولما بعّدت وانتهيت منهم، كان الشارع مفيش له أول من آخر، عماراته بتعلى وتعلى، تعلى، والشارع بيوطى ويوطى، يوطى، ورايا وقدامي العمى وحده، لمبات النور تزيدها ضلام، جاتني رعشة من ضلّي، جريت على قدام زي اللي بأدحرج، بان لي مفترق طرق على البعيد، جسيت في صدري النهجان، ما شفتش نور، شفت عمارة خراسانة مهجورة مالهاش نهاية في وشي، كل السكك اللى بانت مفتّحة طلعت مسدودة، التعب والتوهة لفّوا دماغي بالدوخة، مفاصلي سابت، ما كانش فاضل حتة سما أبص لها من طول العمارة اللى سدت عرضها..
...
فضلت واقف وما دريتش إلا بدموعي كلها بتسح على وشي.

هناك تعليق واحد:

متغيرة شوية يقول...

يااااااااااااااااه

انا عايزة اشوفك يا ولد