الاثنين، يناير ١٨، ٢٠١٠

دكّة في جنينة

عريان الشجر عريان، طريق مرصوف الريح بتتنفس فيه وتكنس بنفسها الورق الأصفر، والشمس فوقيهم حلقات حلقات.
دكّة في جنينة، تقعد عليها بنت حزينة حزينة في نهار شتوي فاضي، تبص يمين، تبص شمال، وتحضن شنطتها، تغالب نفسها بالبسمة والتنهيد، وفي بالها أغنية عيال. السما بدأت تنّدع، تعدّ النقط النازلة، نقطة، اتنين، تلاتة، نقطة على كتفها، نقطة على شعرها، نقطة على فخدها، كأن كل نقطة لما بتقع بتدوس علي حتّة منها .. غمضت عينيها التعبانين وتاهت في العدّ.
غام الضباب بلونه الرمادي حواليها، قلبها انقبض، قبضت على إيد شطنتها، واتهيئ لها إنها شافت ورا الغيم بنت عريانة، وسطها نحيل لكين راسها كبيرة، وعينيها واسعين، بتبص لها، أكيد بتبص لها، ماسكة في إيدها ولد أسمراني، تجري وتطير قطط وعصافير كبيرة مبحلقين عينيهم فيها مطرح ما تروح، دوّرت عينيها في الجنينة، عريان الشجر عريان، بس النجيلة زهرّت زهور خيالية كبيرة، متشبّكة، مليانة شوك.
البنت فكرتها بكوابيسها الجديدة، كانت تدخل تنام لابسة كل دولابها، وتتغطى بكل الألحفة والبطانيات، وكل ليلة وليلة بتحلم إنها ماشية عريانة من هدومها في الشارع، البرد !.. مش بردانة، الستر؟.. ماهياش مستورة، وإن كان محدش شايفها، ما كانتش حاسّة إنها مبسوطة.
شويّة وظهر لها، مهرة بخيّالها، كانت بتشبّ بحماس كأنها بتتعلق في بخار الميّه الطاير من أنفاسها، قربّت منها، وعندها شدّ الخيّال اللجام، كان مبرّق بعينين فيهم الدهشة، أو الخوف، يمكن الرغبة؟، من صدره العريض مدّ لها إيد واثقة، انكمشت في جنب دكتها، هزّت المهرة براسها مرتين، شافت في رقبتها وحمة، وحمة على شكل وردة، فضلت كامشة في الدكّة والخيّال واقف لها بالمهرة وباسط إيديه، حسّت بإصراره، ركب عنادها الخوف، زادها العناد عناد، اتنحنحت مرة بعد مرة، ابتسمت لما جت في بالها أغنية "ما انتاش خيّالي يا ولا/ ما انتاش على بالي والنبي"، بعدت وشها عنهم شويّة، ورجعت ثبتت عينيها فيه، قفل عينيه المبرّقين عنها، لملم إيده وقفلها على لجّام المهرة وشده بعيد، لفّ بالمهرة حوالين الدكّة، واختفى ورا الشجر واختفت كل حاجة معاه.
الشمس بتحاول، رغم إن يومها قصيّر، النور خلّى الضباب يسقط على النجيلة ويغطيه بلونه الباهت، كان صدى كل شئ حواليها بيبعد ويطير، فكرت مش هتمشي لوحدها أبداً، اتعجبت من الفكرة قبل ما تقوم وتفرد هدومها وشنطتها وتشوف سكّتها، أبداً مفيش طريق مختصر ولا معاد قريب للمكان والوقت اللي يستحقها، موسم طويل .. بعده موسم طويل وممشى طويل.. بعده ممشى طويل..

ليست هناك تعليقات: