الثلاثاء، أبريل ٠٥، ٢٠١١

علاقة

هبت نسمة باردة في وجهه من رصيف المحطة عندما انفتحت أبواب قطار المترو التي كان يقف خلفها تماماً، هبط من القطار تائهاً بعد أن اصطدم بالركاب الصاعدين والتفت يميناً ويساراً بحثاً عن المخرج.
كانت تفاجئه من حين إلى آخر أثناء محادثاتهما بسؤالها الهستيري "أنتَ مش حَ تسيبني لوحدي؟".
قدّر من المرّة الأولى علّة سؤالها المتكرر على الرغم من كم الابتذال الذي يحمله بسبب مباشرته ووضوحه، فإن مرورها بعدد لا بأس به من العلاقات الخائبة مع الرجال منذ أن بدأت في الإرتباط بهم نتج عنه خوفها المرضي من الفشل والانكسار الذي أرغمها على استباق أحداث بينهما بمثل هذه الأسئلة.
كان يعجب كيف لإمراة مثلها تخشى الإخفاق كل هذه الخشية؟ لأنه ظن أنها ستكون أقل رهاباً من اللواتي لم يجربن الارتباط بالرجال من قبل، حيث أنها ستكون أكثر دراية بأسباب فشل التجارب العاطفية، ثم توصل إلى أنها ربما دخلت أغلب علاقاتها حاملة فوق ظهرها تاريخها الثقيل الذي لا تراه إلا أسوداً ولم تعتبر شيئاً إيجابياً مما مضى عليها، بل ربما كان سبب إخفاقها الأول هو أنها أدخلت تجربة إحدى صديقاتها الفاشلات في تجربتها الأولى، وربما كان سبب فشل الأخيرة منها سؤالاً كهذا.. لا أحد يدري، فكل هذه التصورات تبدو ساذجة ومضحكة !..
لكن الحقيقة الآنية أنه قد بدأ يضيق بذعرها هذا، والحقيقة التالية أنه قد خطر له بالفعل أن يتركها، لأن جروحها القديمة أصبحت تثير قلقه وتوتره حيال علاقتهما وتهدد بقاءهما معاً، بنفس القدر التي تدفعه إلى التمسك بها لأكثر من سبب، منها افتتانه الأول وانجذابه تجاهها، ومنها رغبته القوية في حمايتها من ضعفها، وإحساسه الداخلي بالواجب الإنساني العام، لذا كان يعهد إلى نفسه مسؤلية إحساسها بالطمأنينة.
كان يعلم إن أسئلة مباشرة مثل "أنت لسه بتحبني؟" و"أنتَ مش حَ تسيبني لوحدي؟" لا تصلح معها إلا الإجابات الحاسمة والصادقة، ولا يجدي التهرب منها داخلياً أو خارجياً. لكنه وجد في كل هذه الأسئلة نتيجة استفهامية واحدة أنه إذا كان بالفعل يحبها ولا يريد أن يتركها، فلماذا ينزعج من السؤال؟
قطع رنين جرس الهاتف المحمول في جيبه أفكاره، كان هي المتصلة، أجاب شارد البال، وأنهى المكالمة بكلماتٍ مقتضبة سريعة.
*
سارا متقاربين في مشية بطيئة متجهين إلى الميدان الواسع. كان الصمت سائد بينهما طوال الطريق، وكلاهما غارقاً في أفكاره الخاصة عن الآخر بعد لقاء فاتر.
عندما وصلا إلى بداية الشارع المظلم، ثبتا في مكانيهما لحظة لأن أضواء كل أنوار الدكاكين والمحلات وأعمدة الإضاءة العمومية في الجانب الآخر من الميدان غشيتهما فجأةً كإبر دقيقة توخز أعينهما بقوة، وارتفعت كل ضوضاء الميدان إلى أذنيهما صارخة من ضغط الضجيج.
ثم راحت الأضواء والضوضاء تخفت تدريجياً.

ليست هناك تعليقات: