الاثنين، سبتمبر ٢٩، ٢٠٠٨

المول

على مقربة من المجمع التجارى المنير الهائل تقف سيدة عجوز ترتدى الأسود الرقيق بأكياس المناديل على الرصيف المظلم -رغم أعمدة الكهرباء المحنيّة ظهرها التى تلقى أضواءها الكابية فتضفى على المشهد حزناً إضافياً-، مررت بها، فدعت لى بالرزق والبركة فى إرهاق شديد كى أشترى منها، لكننى لم أتوقف، كان مظهرى لا يشى بأننى ممن يحتاجون إلى المناديل فلم تصّر علىّ، ثم توقفت أنا بعد عدة خطوات واستدرت أتحسس جيوبى الخلفية اطمئناناً على المناديل خاصتى، كانت توجهت هى الأخرى إلى زبون آخر، أسرة صغيرة تبدو عليها آثار النعمة تحمل أكياس عدة من محلات الملابس والألعاب والمأكولات المختلفة، ظلت تلهج فى سرعة بالدعاء للأب والأم ثم الصبية الصغيرة لعل يحن قلب أحداً منهم عليها فيكرمها بشراء كيس أو اثنين، لكنهم ما انفكوا على تجاهلها كليةً، حاولت أن تقرب يدها الممدودة بالأكياس إلى الصبية الصغيرة، فما كان من الأم إلا أن دفعت ذراعها بيدها بعنف متوتر وهى تطلق الشرر من عينيها، تراجعت خوفاً العجوز إلى الوراء، إلى أن أشار الأب إلى تاكسى، وفى لمح البصر كان الثلاثة قد قفزوا فيه حاملين أكياسهم الثقيلة وانطلق يجرى بهم، جلست فى صمت قاتل على طرف الرصيف مسقطة رأسها فى يأس تمد ذراعها القصير بالأكياس إلى المارة، لم أستطع احتمال المشهد، استطعمت المرارة فى حلقى، انتحيت جانباً وأفرغت كل ما فى جوفى..

ليست هناك تعليقات: