الثلاثاء، ديسمبر ٢٩، ٢٠٠٩

سنويّة

الإنتظار فى المكان الخطأ:
كنا فى انتظار السيد المناضل "جودو"، مُحرر ميدان التحرير من الأمن المركزي، ومُحرر الأرض الفلسطينية من الصهاينة، تمر الدقائق ونحن نتبادل النظرات بيننا، تنتصف الشمس فى صفحة السماء، وضباط المباحث يقفون بعيداً وبسمات السخرية المقيتة ترتسم فوق وجوههم، كيف يخشى كيان الدولة الهائل بضعة بلهاء حالمين متناثرين ؟، يلتف المخبرون حولنا فى دائرة مغلقة، أخيراً صدرت الأوامر بالاعتقال بتهمة "الحماقة الرومانسية".. والسيد "جودو" خذلنا ولم يأتِ بعد.
*
فى عربة الترحيلات، دسست أصابعي فى فتحات النافذة، ونفثت دخان السيجارة إلى خارج العربة فى الهواء متأملاً حريته، حاولت إدراك شعور المحتجز السجين لكننى فشلت، فالعالم الخارجي يبدو شاسعاً بلا معنى، قاحل وجاف ومقفر، كنا هنا نتوهج بالهتاف، نتوهج بالنكات، نتوهج بالغناء، وبالأشعار والرقصات، الحماس الحىّ، وإن سكن قليلاً، لا يهمد أبداً، تارة نطلب مشروبات وهمية، زميل يطلب قهوة بالليمون، كأن الحياة ليس بها ما يكفى من المرارة اللاذعة، وتارة أخرى نغنى إحتفالاً بعيد ميلاد زميلة أخرى ونهتف قائلين:
"أول مطلب فى الليمان.. تورتة حلوة لست إيمان"
"أول مطلب للمساجين.. تورتة حلوة لكل سجين"
الأشياء تستعيد مذاقها الأصلي، البهجة وضحكاتها، السخرية ومرارتها، الحماس واشتعاله، حتى القلق مذاقه في ساعات الإحتجاز اختلف، والمخبرون بوجوههم التى تصطنع اللامبالاة يتمايزون غيظاً وكيداً عاجزين عن فهمنا.
*
غ.ز.ة:
تواشيح وأناشيد ومواويل بتتغنى، هقهقة ومقالب وضحك بيجلجل، سقف العنابر يتشقق، وأبص من ورا القضبان والشقوق ألمح شجر متجمع، شجر مكوّن فرقة تخت شرقى، قانون وعود ورقّ وناي، وبيعزف ألحانه الهادية طول الليل طول الليل، بعدها ألمح مصانع الأسمنت بتشغى غبار، يغطى كل شئ حتى الشجر اللى أوراقه بقت زى ورق مفضض بيلمع تحت القمرة، بعدها صحارى وقنا ضيقة وتلال وجبال فاضية ولا فيها صريخ ابن يومين، بعدها غزة على قبة البركان مستنية تفيض على الأرض هناك لحد هنا.

الاثنين، ديسمبر ٠٧، ٢٠٠٩

Dark Blue Dive

ينطلق عواء صفارات الغارة في اللامكان واللازمان العربي، على الطريق القادم من حلب، هناك الميكروباص السريع الذي يحمل ركاباً من جبال الطوروس يراوغ الظلمات والضباب بأضواءه، وفي الحارة الصغيرة المعتمة، يخرج عاشقان عربيان من حانة ضيقة، لا يبدو على مظهرهما نشوة السُكر، يتوقفان جانباً ويختلسان الحب في ثمانية وثمانين قبلة بجوار جندي بريطاني –أو ربما إسرائيلياً- ملقى على الأرض مشغياً عليه ومجرداً من سلاحه.
ينطلق عواء الصفارات المزعجة مرة أخرى، فتلتصق أجساد العاشقين ببعضهما ذعراً، تشرأب أعناقهما وتنكمش، يتعلق اللحم باللحم، يتمزق الجلد بالأظافر، تطلى صفحة السماء بالكحلي قبل أن يتكثف الدخان، مائة ألف قنبلة تدك المنازل فتضئ الدنيا وتنطفئ بمائة ألف ومضة تغشي عيونهما، يرتعش البدنان بمائة ألف رعشة مماثلة تطقطق عظامهما من الخوف، كل الأشياء المحيطة تئن من وطأة القصف فوقها، تتدرج الأدعية والابتهالات في جوف السماء تصاعدياً، تُسمع آهة طويلة عالية تموج وترتفع إلى سقف الليل ذاته، تُسمع عميقة وقوية، تُسمع كإنها أبدية...
وفي لحظة، حلّ الصمت، وانقشع الدخان مرة واحدة، وبقيت ظلمة الليل الأصلية، فانطلق الاثنان من فورهما خارج الحارة حيث وقف الميكروباص عندهما وهبط منه صبي صغير ينادي: معبر قلنديا، العجمي العجمي، رمسيس رمسيس رمسيس.