الاثنين، أغسطس ٢٤، ٢٠٠٩

لا شئ

أنهض فزعاً فوق السرير، لحظات وتهدئ نفسى، أضع مرفقى فوق الفخذ العارى من حر الليل، وأسند جبهتى على راحتى، وأنا أردد رداً على كابوس الليلة الماضية "مفيش حاجة... مفيش حاجة" فى الحمام، أغسل وجهى، وأصطدم بوجهى فى المرآه البلجيكية القديمة، يصدمنى تغضنه المفاجئ، أنكره كأن هذا الوجه ليس لى، حاولت الابتسام، فانشغلت عن البسمة المرسومة بذلك التجعيد الذى ظهر على جانب فمى، يسألنى الوجه فى المرآه عما بى ؟، أنثر قطرات المياه على صفحته، وأنا أجيب "مفيش".
أمى تجلس أمام المسلسل العربى المعروض على شاشة التلفزيون تقشر البطاطس، أجلس أنا الآخر أمامها وأغيب فى شعرها الرمادى والخصلات التى صارت بيضاء، تحول عينها إلىّ وترى وجهى الذى تقلص ألماً، فتسألنى "فيك إيه؟" فى نفس الوقت الذى يسأل بطل المسلسل جاداً بطلته ماذا بها ؟، فنجيب أنا والبطلة فى صوتٍ مهمومٍ غارق فى الشقفة على ذاته فى الوقت نفسه "مفيش حاجة .. مفيش أي حاجة"

الخميس، أغسطس ٢٠، ٢٠٠٩

لماذا المجنون الأخضر ؟ - بيان غير متكمل

يا أخضر بقيت كل الألوان
إلا الأخضر

بعضاً من الحياء، بعضاً من الحماسة، كأن تزمّر مع الزمارين، وتطبّل مع الطبالين، وترقص مع الراقصات البدينات، تضع زهرة حمراء خلف أذنك ساعة الحب، بدلاً من قلم ساعة الإلهام والكتابة، وسيجارة ساعة التفكير والقلق، وجهٍ طفولي غضوب تصفه الفتيات بالذكورة المبكرة، والشيوخ بإنعدامها، فلماذا يسخر منا، نحن العشاق، الآخرين ؟، من رأسٍ حليقةٍ تشع الجنون، من جبهةٍ عريضةٍ تجابه الشمس، من أنفٍ أفطسٍ يبرز الهويّة، من وجهٍ صغيرٍ يذكرك بصبيّة الموالد، من جوهرِ الإنسانِ ؟

يا أخضر بقيت كل المواويل
إلا الأخضر

رجّ العبوة الناسفة قبل استعمالها

هل تعرف؟.. هل كنت تعرفـ.. أتعرف من نحن ؟.. نحن المجهولون أبناء أولئك المجهولين الذي هتفوا لأم كلثوم في حفلاتها ب"عظمة على عظمة على عظمة يا ست"، أحفاد أولئك الذين تراهم يركبون فوق ظهور السباع فى الجداريات الشعبية !!، فلماذا نبدو كمن تطارد الكلاب مؤخراتهم ؟، ولى زمن القباب والمآذن التى تخترق السماء، وأصبحنا نصلي بالأقبية المكيّفة أسفل منازلنا، وقسمنا صلواتنا ما بين عوز وخوف من العوز.
حسناً، إذا أطلقنا المآذن كصواريخ فضائية إلى السماء، وفجرّنا القبور والسراديب خابئة الأسرار السوداء، هل سيعلم أي أحد ؟.. لَمْ يُلَمْ بالمثل يا عبد السميع/ إنّ يَرُد الصاعَ ألفاً لَمْ يُلَمْ *.. بالأمس مررت على قريتي القديمة التي تختبئ في قلب قلب المدينة، كانت سري وملاذي، جاءتها الجرافات والحفارات تردم وتقتلع وتهد، لا أعلم كيف علموا بأمرها؟، كدت أبكي من القهر وقتها، لكن لا بكاء على الأطلال تحت سماء الله الغاضبة بعد الآن، سأصوب الماسورة التي تختزن رصاصتي الوحيدة في رأس من يصيبني بالصداع بدلاً من أن أطلق الرصاصة في رأسي أنا لأخرسه.
والآن ثبت أصابع الديناميت فى جوانب الآلات، ولا تنس رج العبوة الناسفة قبل الاستعمال..

* الأبيات الأخيرة من قصيدة "الطاسة" من ديوان "ميت بوتيك" لفؤاد حداد

سموني أنا المفتون

ليت الفتى حجرٌ، ليت الفتى ما يحب، السر فيكي، مبتدأ وخبر، كلهم فرقعوا في حبك عين العفريت، ورشّوا الورد، وطيروا الأرقاب، كلهم داخوا، أصحاب الرجا...
الحلوة صابحة رايحة تدوس الورد ونضارتي، وتقفل عليها الباب، وتحلّ شعرها وتكيدني، وأقول لو يا ريت تسمح ؟، وأغني سيبوني يا ناس أروح مطرح ما أروح، أزور جنتها وشجر الحنّة، أسهر وأنام تحتها باكي، وأمسح دمعي في كمي، ياريتني ما عشقت عامنول
...
تضحك في عبّها عليَّ
المكر وسؤالها يدبحني
"بتحب ؟ مسكين .. يا حرام !!"
"ومين المحظوظة ؟"
"بوسة ؟ يعني ايه بوسة ؟"
...
وأنا أقول
" يا حبّ عيب .. اختشي "

فيلم عربي

زعقت أمي فيّ "يالا مستني إيه ؟"، اتنفضت من لخمتي، ونطيت من فوق السلم عَ الشارع، على الحنطور وطرت بالكرباج، ما في عيني إلا إني ألحقها، قاموا على كوبري بديعة في سكتي المتاريس، عساكر ببنادقها قدامي اتصفّت، طرابيش ببدلها ورايا بتهتف، حصاني الجرئ سابق، وشاط في وش الطلق، وزام فى الهوا طيران، جزيت على سناني "يا منجى نجي" ، ما دراناش بدمنا السايح إلا لما وقفنا على جمر الأسفلت.
بصيت لقيت القاهرة دخان، الشوارع صريخ، نطيت فى البويك وفتحت، شمال يمين، العجلة في إيدي مش شايفة، النار من الدكاكين، حودت يمين وشمال، المطافي وحلت السكك، "أطلبوا الإسعاف"، الموت مغطي بعفاره الأسود وشوش الناس، ريحة الحريقة فى البلد، وكل شئ كابس الطريق آهوه، شمال شمال، على الأوتوسطراد سايق لوري محمّل عائلات مترحلة،
زمّارة الغارة في وداني بتطوّل
سكوت
سكوت
سكوت
صفير بيشق السما، صرخت بعزمي عشان صوتي يغلب القنبلة، الطيارات بتطاردك، الطيارات عايزاك، قلت مانيش ناوي أموت النهاردة، زمّرت وكسرت ودست بنزين فوق الميّة، صفارة تانية بتشق وداني وتجيبها دمّ، "استرها يا رب"، الطريق حريق، طعمها فى حلقي، سدوا السكة بدبابة، الموت وقف في الزور، جت في عيني مرة كمان، عضيت بنابي وقلت يستحيل، عكست فى نفق مضلّم، وسبتهم فى أمان وجريت.
طلقت رجلي للريح، الوجع عصر كتافي، آهوه.. المطار آهوه، ولما وصلت عديت فى الناس والزحمة، لقيتها مستنية وعينها سارحة ف الجايين، جنبها الشنط منتورة، سالت دمعتها المحبوسة وهي بتضحك لما شافتني والعرق سايل على قورتي، دخت ونسيت كل اللى حصل كأنه ما كانش..

بأحبك يا توحة


جابت الرقّ ودقت لي، مطرح ما رسيت رقصت، مطرح ما مشيت رقصت في الشارع، من غير حزام، من غير بدن، رقص الهوا في النسيم، رقص القصب في الريح، جبت صاجات مُدهبة من الصايغ ودقيت لها، وتدق برجليها تفتح الشبابيك، وتشاور بإيديها تقفل الدكاكين، وتطيّر الغسيل وتنور الميادين، وتبكي قلب الفرحانين، وتضحك عين الحزنانين، ونجري من بعض نستخبى ورا عمدان البواكي، وأربع خمس دقات ترجعنا، دقيت لي ودقيت لها، ودقوا لنا السامعين على الدربكة، إلى أن دقنا تحت عواميد النور طعم القبل في الفجر..